كانت الانتخابات الرئاسية التركية على الأرجح من أكثر الأحداث السياسية التي كانت محطّ متابعة وثيقة في عام 2023، حين فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية إضافية لخمس سنوات في الجولة الثانية من الانتخابات في 28 أيار/مايو الماضي.
اتسمت السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة ببذل جهود للمصالحة والتطبيع على جبهات عدة. واشتملت هذه الجهود على تجديد العلاقات مع مصر، التي أظهرتها مصافحة رمزية بين أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلًا عن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى الإمارات العربية المتحدة، ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأول مرة منذ مقتل جمال خاشقجي في اسطنبول. غالب الظن أن هذه الجهود الدبلوماسية ستتواصل مع بدء ولاية أردوغان الجديدة؛ والحال هو أن حضور رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان مراسم تنصيب أردوغان ورسالة التهنئة التي بعث بها السيسي، بالإضافة إلى تحسين مستوى العلاقات الدبلوماسية المصرية-التركية عن طريق القنوات الرسمية، هي المؤشرات الأولى عن هذا الاتجاه السائد حاليًا.
كذلك تلقّى أردوغان التهنئة، بعد فوزه في الانتخابات، من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي شدّد على أن مواصلة التعاون التركي-الإيراني ستولّد "ظروفًا أكثر مؤاتاة" للسلام والاستقرار في المنطقة. على الرغم من الخلافات الأساسية في السياسة الخارجية – بما في ذلك التباين في مواقف البلدَين من الاجتياح الروسي لأوكرانيا ومستقبل القيادة السورية – ظلّت العلاقات وثيقة بين إيران وتركيا في عهد أردوغان. ويُشار في هذا الصدد مثلًا إلى توقيع ثمانية اتفاقات بين البلدَين في مجالات التجارة والأمن والعلوم والرياضة خلال زيارة أردوغان إلى طهران العام الماضي. على الرغم من أنه يُتوقَّع أن تواصل تركيا العمل مع إيران في المرحلة القادمة، ستكون العلاقة رهنًا إلى حد كبير بالتقارب التركي-السوري.
في هذا الإطار، وبعدما قطعت تركيا علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011 وواظبت على دعم مجموعات المعارضة السورية، من المرجح أن تستأنف في نهاية المطاف علاقاتها كاملةً مع النظام السوري الحاكم. ويُعزى ذلك، من جملة أمور أخرى، إلى الضغوط الداخلية: فقد كان مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، وعددهم 3.4 ملايين لاجئ، من القضايا الأساسية في الانتخابات الأخيرة، وخلال العام المنصرم، دفع أردوغان باتجاه إعادتهم إلى بلادهم. هذا فضلًا عن أن العمليات العسكرية التركية لمنع قيام دولة بقيادة الأكراد في شمال سوريا تتطلب تعاونًا مع نظام الأسد. لذلك، قد نشهد على دبلوماسية مكّوكية بين أنقرة ودمشق، يضطلع فيها هاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية سابقًا ووزير الخارجية الحالي، بدور أساسي.
كان التطبيع المتزايد بين تركيا وسوريا واضحًا أيضًا قبل الانتخابات الأخيرة. فقد استضافت موسكو اجتماعًا ضمّ وزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري والتركي في 25 نيسان/أبريل، والاجتماع الرسمي الأول بين وزراء خارجية هذه الدول في 10 أيار/مايو. وفي ذلك الاجتماع، ناقش وزراء الخارجية، كما جاء على لسان وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو، أهمية التعاون لمحاربة الإرهاب، وتيسير العودة الآمنة للاجئين، وصون وحدة الأراضي السورية.
قد تساعد التطورات الدبلوماسية الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قبول سوريا من جديد في الجامعة العربية والتقارب المتزايد بين السعودية وإيران، على تعزيز المصالحة بين تركيا وسوريا على أعلى المستويات. ولكن نظام الأسد شدد على ربط أي مصالحة بمغادرة جميع القوات التركية للأراضي السورية.
في حال استأنفت تركيا وسوريا العلاقات الدبلوماسية بينهما، فإن إيران، التي تبذل جهودًا كبيرة لضمان بقاء الأسد في السلطة، لن تستسيغ استبعادها من المفاوضات التي من شأنها أن تساعد على تحديد "الظروف المؤاتية" لشراكة بين أنقرة وطهران، لأنه ستترتب عن هذا التقارب التركي-السوري منافع واسعة النطاق. فقد تتخذ تركيا، مثلًا، الخطوات اللازمة للحد من العزلة الدولية لسوريا والمساعدة على إعادة إحياء العلاقات الاقتصادية والأمنية في مختلف أرجاء المنطقة.
مما لا شك فيه أن مستقبل السياسة التركية تجاه سوريا سيكون من النقاط الأولى المطروحة للنقاش في حال توجّه الرئيس الإيراني رئيسي إلى تركيا في زيارته الرسمية الأولى. ففي هذه الحقبة التي تشهد مصالحة بين أعداء الأمس في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، لن يكون مفاجئًا أن تبادر تركيا إلى تطبيع علاقاتها مع سوريا، في تحوّل جيوسياسي كبير ذي تبعات إيجابية على العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا.
أحمد فركان أوزياكار حائز على شهادة دكتوراه في السياسة من جامعة إكستر. يركّز في عمله على السياسة الخارجية الإيرانية والدبلوماسية العامة. لمتابعته على تويتر @ahmetozyakar.