بعد فشل الجولتَين الانتخابيتين في نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر 2019، سوف تُجري إسرائيل جولة ثالثة من الانتخابات الوطنية في الثاني من آذار/مارس. في الجولتَين السابقتين، لم يتمكن حزب الليكود اليميني التابع لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولا تحالف أزرق أبيض الذي يتزعّمه رئيس هيئة الأركان العامة السابق بيني غانتس من الحصول على عدد المقاعد المطلوب، أي 61 مقعداً، من أجل انتزاع الأكثرية في مجلس النواب المؤلَّف من 120 مقعداً. وقد وضعت النتائج غير الحاسمة للانتخابات الناخبين العرب وممثّليهم في قلب النقاش حول تشكيل الحكومة. وهذا ما حدث خصوصاً في انتخابات أيلول/سبتمبر عندما حلّ الائتلاف العربي الذي تمثّل من خلال القائمة المشتركة في المرتبة الثالثة بعد حزب أزرق أبيض وحزب الليكود.

القائمة المشتركة كناية عن تحالف من أربعة أحزاب – الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) والحركة العربية للتغيير وحزب بلد والقائمة العربية الموحدة – تشكّلَ في عام 2015 بعدما ضغط زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، من أجل إقرار تشريع ينص على رفع العتبة الانتخابية إلى 3.25 في المئة. وقد أراد ليبرمان، من خلال محاولته زيادة الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة للفوز بمقاعد، إقصاء الأحزاب العربية من الكنيست. وقبل انتخابات نيسان/أبريل 2019، انقسمت القائمة المشتركة إلى كتلتَين متنافستين – كتلة مؤلفة من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير وأخرى مؤلفة من القائمة العربية الموحدة وحزب بلد – بسبب الخلافات على تقاسم السلطة. وهذا الانقسام هو أحد أسباب تدنّي نسبة الاقتراع لدى الناخبين العرب في انتخابات نيسان/أبريل (49 في المئة) مقارنةً بانتخابات 2015 (64 في المئة). وقد فازت قائمة حداش والحركة العربية للتغيير بستة مقاعد، ولكن كتلة القائمة العربية الموحدة وبلد حصلت بشق النفس على المقاعد الأربعة المطلوبة لتمثيل الناخبين في الكنيست. إذاً حصدت القائمتان معاً عشرة مقاعد، وخسرتا ثلاثة من المقاعد التي كانتا قد فازتا بها في عام 2015.

ولكن الأحزاب العربية تعلّمت من خطأها، وأعادت إحياء القائمة المشتركة في انتخابات أيلول/سبتمبر 2019. وشجّعت الناخبين العرب على الإقبال على التصويت، فارتفعت نسبة الاقتراع إلى 60 في المئة من جديد، فيما تعهّدت هذه الأحزاب بتنحية نتنياهو من منصبه وتحسين الخدمات العامة. وهكذا تمكّنت القائمة المشتركة من الفوز بـ13 مقعداً في الكنيست، فأصبحت ثالث أكبر حزب في البرلمان الإسرائيلي. وكذلك أدّت هذه المكاسب التي حققتها القائمة المشتركة إلى الحد من قدرة نتنياهو وغانتس على الفوز بأكثرية المقاعد. ونتيجة تعزيز المكانة السياسية للقائمة المشتركة وأهميتها على صعيد تشكيل حكومة معارِضة من أجل إلحاق الهزيمة بنتنياهو، أصبحت الأحزاب المتحالفة في إطار القائمة هدفاً للتدقيق والعنصرية من السياسيين اليمينيين على غرار أفيغدور ليبرمان، زعيم إسرائيل بيتنا، ونتنياهو نفسه.

وقد رفض كل من نتنياهو وغانتس تقديم تنازلات في المسائل المهمة، مثل هوية الشخص الذي سيتولى رئاسة الوزراء في المرحلة الأولى من المداورة. وتبعاً لذلك، لم يتمكّن الجانبان من تشكيل حكومة وحدة. وهكذا كان الخيار الآخر أمام غانتس محاولة تشكيل حكومة أقلية تعتمد على الدعم من القائمة المشتركة. وقد استبق نتنياهو هذه الخطوة، فأطلق حملة لقطع الطريق على مساعي غانتس. وكتب عبر صفحته على موقع فايسبوك: "يريد العرب إبادتنا جميعاً". وفي "تجمّع طارئ" لخزب الليكود في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، صرّح نتنياهو في إشارة إلى اتفاق محتمل لتقاسم الحكومة مع القائمة المشتركة: "مثل هذه الحكومة تشكّل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل. إذا تشكّلت حكومة أقلية من هذا القبيل، فسوف تعمّ الاحتفالات في طهران ورام الله وغزة تماماً مثلما يحتفلون بعد كل هجوم إرهابي. سيكون هجوماً إرهابياً تاريخياً على دولة إسرائيل". واتهم أعضاء القائمة المشتركة بتقديم الدعم علناً لتنظيمات إرهابية و"نَعْت جنودنا بالقتلة". أضاف نتنياهو: "بإمكان العرب أن يكونوا صهاينة ويدعموا دولة إسرائيل، لكنهم ليسوا صهاينة ولا يدعمون دولة إسرائيل". وتابع في التجمع نفسه: "اعتمادنا عليهم طوال الوقت، لا سيما في الوقت الراهن، هو خطر شديد يُهدّد إسرائيل، وخرق لا مثيل له في تاريخ البلاد".

وكان نتنياهو يقصد، في هذا الخطاب، معارضة القائمة المشتركة لعملية الحزام الأسود الإسرائيلية التي تستهدف تنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة. وقد بدأت العملية بعد قيام إسرائيل باغتيال بهاء أبو العطا، قائد فرع الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في شمال غزة، وهو كان وراء العديد من الهجمات الصاروخية على إسرائيل. وقد أبدى بعض نواب القائمة المشتركة في الكنيست انتقادهم لعملية الاغتيال التي استهدفت أبو العطا، القيادي الكبير في تنظيم الجهاد الإسلامي الإرهابي، وللهجمات الجوية التي تشنّها القوات الإسرائيلية في غزة. ولكن لم يعبّر أيٌّ منهم عن دعمه للجهاد الإسلامي أو لاستهداف المدنيين الإسرائيليين على أيدي التنظيم.

يدرك نتنياهو أن غياب المشاركة الواسعة من أعضاء القائمة المشتركة في الحكومة يتيح له البقاء في موقع رئاسة الوزراء. فمن خلال التحريض ضد أعضاء القائمة المشتركة وناخبيهم، ينزع رئيس الوزراء فعلياً الشرعية عن أي محاولة قد يقوم بها أعضاء في الليكود لإقصائه رغبةً منهم في تجنّب جولة انتخابية ثالثة. ويُصوَّر أي هجوم يستهدف نتنياهو بأنه بمثابة دعم لحكومة أقلية يشارك فيها أعضاء من القائمة المشتركة العربية المناهضة للصهاينة. يستخدم نتنياهو أيضاً هذه الاستراتيجية لتضييع الفرص على أفيغدور ليبرمان الذي كان يميل نحو الاصطفاف إلى جانب حزب أزرق أبيض، ومنعه من الانضمام إلى حكومة أقلية مع القائمة المشتركة. وقد عبّر هذان الزعيمان عن آراء معادية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل. والحال هو أن أفيغدور ليبرمان نفى إمكانية المشاركة في حكومة تضم القائمة المشتركة. الشهر الفائت، جدّد ليبرمان تأكيد موقفه المناهض للتعاون مع الأحزاب العربية الإسرائيلية. وقد استخدم ليبرمان المحاكمة الأخيرة للشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي المحظور للحركة الإسلامية، من أجل الإمعان في ضرب صدقية الأعضاء العرب في القائمة المشتركة عبر تصويرهم بأنهم إرهابيون وشركاء ائتلافيون غير جديرين بالثقة. وفي 24 تشرين الثاني/نوفمبر، أدانت محكمة حيفا الشيخ رائد صلاح بتهمة دعم الجناح الشمالي للحركة الإسلامية وقيادته سابقاً. وأدين أيضاً بجرم التحريض على الإرهاب من خلال الإشادة علناً بثلاثة إسرائيليين عرب قتلوا شرطيَّين في اعتداء في القدس في تموز/يوليو 2017.

ورداً على الاتهامات التي وُجِّهت إلى صلاح، تجمّع حشدٌ كبير من النشطاء والقادة السياسيين الفلسطينيين – بينهم أعضاء من القائمة العربية المشتركة – داخل قاعة محكمة الصلح في حيفا وخارجها تضامناً مع الشيخ رائد صلاح، وللمطالبة بحماية المسجد الأقصى. وقد أثار حضور أعضاء من القائمة المشتركة ردود فعل لدى نائب يميني إسرائيلي اعتبر أن دعم النواب العرب في الكنيست للشيخ رائد صلاح مساوٍ للإرهاب. وغرّد ليبرمان بعد صدور الحكم: "آمل بأن يُنزلوا به العقوبة التي يستحقها، وبأن يدرك كل من شاهد توافد أعضاء القائمة المشتركة اليوم إلى المحكمة والدعم الذي قدّموه إلى رجل إرهابي، أن هؤلاء هم طابور خامس". وقد اتُّهِم أعضاء القائمة بأنهم "طابور خامس" على خلفية روابطهم مع الفلسطينيين ودعمهم لهم. لا بل أكثر من ذلك، وُجِّهت إليهم تهمة العمل على ترويج الإرهاب.

يُعزى الدعم للشيخ صلاح إلى الدور الذي أدّته الحركة بقيادته (من 1996 إلى 2015) في الحفاظ على الأماكن المقدّسة في القدس. وكانت الحركة مسؤولة أيضاً عن تقديم الخدمات الاجتماعية والخيرية في المجتمع خلال تلك الفترة. ففي غياب الحل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وفي ظل تطبيق الدولة سياسات تمييزية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، تقدّمَ الجناح الشمالي بقيادة صلاح لسدّ ثغرة كانت تُشكّل حاجة ماسة لقاعدته الشعبية. فأصبحت الحركة الإسلامية ركيزة أساسية من ركائز الانخراط السياسي الفلسطيني منذ ثمانينيات القرن العشرين. ويرى أنصار صلاح في مقاضاته امتداداً للسياسات القمعية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل والقضية الفلسطينية عموماً. وفي هذا الصدد، علّق نائب القائمة المشتركة في الكنيست، يوسف جبارين: "إدانة صلاح هي خطوة إضافية في سياق الاضطهاد السياسي للجمهور العربي وقيادته، والتشدد الخطير في التعاطي الأمني معهم". وربط جبارين الإدانة بالحملة التي شنّها نتنياهو مؤخراً ضد حكومة أقلية افتراضية يقودها حزب أزرق أبيض الوسطي وتحظى بالدعم من القائمة المشتركة.

واستفزاز أعضاء القائمة المشتركة تحقيقاً لمكاسب سياسية ليس تكتيكاً جديداً يلجأ إليه السياسيون اليمينيون. فلدى نتنياهو وشركائه تاريخٌ طويل في التحريض على الكراهية وعدم الثقة تجاه العرب الإسرائيليين عموماً والنواب العرب في الكنيست خصوصاً. فقد وصفهم نتنياهو مراراً وتكراراً بالإرهابيين والخونة من دون تقديم إثباتات على كلامه، وذلك في محاولة منه لبث الزخم لدى قاعدته اليمينية. وفي عام 2015، حذّر نتنياهو من أن العرب يصوّتون "أفواجاً أفواجاً". وقبل انتخابات نيسان/أبريل 2019، صوّب نتنياهو على النائب العربي البارز أحمد الطيبي واصفاً إياه بأنه تهديد للأمن القومي. والطيبي هو من منتقدي السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي. وفي هذا الإطار، يردّد نتنياهو دائماً الشعار الآتي في حملته "بيبي أو الطيبي" في محاولة لضرب سمعة الأحزاب الإسرائيلية اليهودية إلى يسار الليكود من خلال الزعم بأنها بحاجة إلى العمل مع الأحزاب الفلسطينية كي تتمكن من تشكيل ائتلاف حاكم.

وكانت لتصريحات نتنياهو نتائج على الأرض. ففي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، اعترضت مجموعة من النشطاء اليمينيين على مشاركة الطيبي في فعالية ثقافية وسياسية يهودية. وقد اتّهم المحتجّون الطيبي بأنه "إرهابي" و"قاتل". وصرخ أحدهم: "ليس مرغوباً فيك هنا!" فيما هتف آخر: "لا مكان لداعمي الإرهاب في مدينتنا". وادّعى الطيبي أنه تلقّى عشرات التهديدات بالقتل وأشار إلى أنه يتخذ تدابير احترازية حفاظاً على سلامته. كذلك صرّح رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة أنه تلقّى تهديدات عدة بالقتل إلى درجة أنه طلب الحماية من الكنيست.

يبدو أن تكتيكات نتنياهو حالت دون تشكيل حكومة أقلية، لكنها فشلت في ترهيب الناخبين العرب وردعهم عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع. في الواقع، ازدادت نسبة الاقتراع في أوساط ناخبي القائمة المشتركة الذين يستمدّون الدافع من الفرصة المتاحة أمامهم للإطاحة بنتنياهو. بحسب أيمن عودة، حال تعزيز مكانة القائمة دون أن يتمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة أكثرية. يقول عودة في هذا الصدد: "كان لنا، في انتخابات أيلول/سبتمبر، دور بالغ الأهمية ساهم في إخفاقه [إخفاق نتنياهو] في تشكيل حكومة، ولا شك في أن تأثيرنا سيتنامى إذا أقبل عدد أكبر من بيننا على الاقتراع". يعتقد ممثّلو القائمة المشتركة أن الهدف بات في المتناول بعدما ثبت للناخبين أنهم أدّوا دوراً مهماً في فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية متشددة. ويرى عودة والطيبي أنه بإمكان القائمة، من خلال الحملات المكثّفة بما في ذلك زيارة المنازل التماساً للأصوات، أن تحصد 15 مقعداً في الكنيست. وهذا الرأي تدعمه الاستطلاعات الأخيرة التي تشير إلى إمكانية حصول القائمة المشتركة على 15 نائباً في انتخابات الثاني من آذار/مارس.

في الواقع، وعلى ضوء الخلافات العقائدية بين القائمة المشتركة والأحزاب الصهيونية بشأن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، حظوظ القائمة المشتركة بحجز مكان لها في الحكومة المقبلة ضئيلة جداً. ولكن رفع تمثيل العرب في الكنيست لن يغلق الباب وحسب على وصول حكومة أخرى يقودها نتنياهو، بل من شأنه أن يزيد أيضاً عدد الأصوات المطلوبة لتخطي العتبة الانتخابية. وهذا قد يساعد الناخبين العرب على كسب الثقة بتأثيرهم الجماعي، على الرغم من العوائق النظامية وغير النظامية التي تعترض مشاركتهم السياسية الكاملة. وفي حين تركّز التغطية الإعلامية لأخبار القائمة المشتركة على موقفها من النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، تسعى القائمة إلى تحسين رفاه المواطنين العرب الإسرائيليين. وقد طلبت من الدولة تمويل المجتمعات العربية، ومكافحة عنف السلاح في البلدات العربية، والتسريع في آلية الموافقة على الخطط الإنمائية في المناطق حيث يقطن العرب. وفي هذا الإطار، من شأن زيادة عدد نوّاب القائمة المشتركة أن تتيح لهم الضغط على الحكومة لمعالجة هذه المسائل بقدر أكبر من الفاعلية.

أنوار محاجنه أستاذة مساعدة زائرة في ستونهيل كولدج حيث تكتب وتدرِّس عن الجندر والدين والأمن والإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لمتابعتها عبر تويتر @mhajneam.