نشرت السعودية، في عام 2019، فرقة الأفواج، وهي قوة أمنية جديدة تابعة لوزارة الداخلية وتُقدّم الدعم للحرس الحدودي السعودي. ومهمتها هي منع المتسللين من عبور الحدود، ومكافحة التهريب والتجارة غير الشرعية. قبل عامَين، وصل فريق من القبعات الخضراء التابعة للقوات الخاصة الأميركية إلى المملكة لتدريب القوات البرية السعودية المسؤولة عن ضبط الأمن عند الحدود. ويتعاون محللون استخباريون أميركيون مع السعوديين في نجران لتحديد مواقع الصواريخ الحوثية في اليمن.

تتشارك السعودية واليمن منطقة حدودية شديدة الحساسية. وعلى الرغم من أنه جرى ترسيم الحدود رسمياً عام 1934 وفقاً للحدود الدولية المتفق عليها، تُشكّل هذه الأراضي المشتركة بيئة حاضنة فريدة من نوعها لروابط القربى والصلات القبلية، والاقتصاد غير النظامي، وفن العمارة، والتراث الثقافي. على سبيل المثال، انقسمت القبائل التابعة لاتحاد خولان بن عامر القبلي المرموق بين البلدَين بعد عام 1934. ولا يزال المتحدرون من قبائل تهامة – المنطقة الساحلية عند ضفاف البحر الأحمر – يقطنون في الغرب السعودي-اليمني. ويُلقَّبون بـ"رجال الزهور" لأنهم يضعون أكاليل من الزهر على رؤوسهم.

تتضمن هذه المنطقة الحدودية أراضي زراعية على ضفاف البحر الأحمر (حجة في اليمن وجازان في السعودية)، ومحافظات تضم جبالاً وعرة. ونحو الشرق، المنطقة الحدودية هي عبارة عن امتداد صحراوي، وتشمل عسير ونجران في السعودية، والصعدة والجوف في اليمن. ولطالما كانت المنطقة الواقعة جنوب السعودية وتلك الواقعة أقصى الشمال في اليمن هامشيتين بالنسبة إلى المركزَين السياسيين، أي الرياض وصنعاء، ما يعزّز إلى حد كبير نظرة الحكومة إلى التهديد في كل من البلدَين. وفضلاً عن ذلك، سكّان المنطقة هم من الشيعة في أغلبيتهم الكبرى. وفي السعودية، يقطن الإسماعيليون (الذين يبلغ عددهم نحو 400000 نسمة، فالشيعة يشكّلون حوالي 10-15في المئة من المجتمع السعودي) في جازان وعسير ونجران. أما الزيديون – الذين ينتمي عدد كبير منهم إلى التيار الحوثي أو يدعمونه – فيقيمون في الصعدة والجوف في اليمن. ويقطن نحو 20000 زيدي في المناطق الحدودية جنوب السعودية. وقد طوّر الإسماعيليون في السعودية درجة معيّنة من الاستقلال السياسي نتيجة ما يتعرضون له من تهميش اقتصادي واجتماعي مستمر منذ فترة طويلة، وتمايزهم الثقافي عن الثقافة السعودية الرسمية ومقرّها نجد. وتطوّرَ صعود التيار الحوثي في محافظة صعدة اليمنية إلى حوكمة ذاتية واستقلال بحكم الأمر الواقع من خلال استغلال الفوضى التي أثارتها الانتفاضة الشعبية في صنعاء في عام 2011 وسيطرة الحوثيين على العاصمة في عام 2015.

كانت الحدود السعودية-اليمنية موضع خلاف على مدار التاريخ. فقد كانت جازان مركز إمارة الإدريسية التي أسسها محمد علي الإدريسي في عام 1908 عندما تمرّد على سيادة الأمبراطورية العثمانية. ولاحقاً ضمّتها الدولة السعودية الناشئة إليها في إطار معاهدة مكة التي وُقِّعت في عام 1926. وفي عام 1934، اندلعت حرب بين السعودية وإمامة يحيى الزيدية في شمال اليمن. وكان الإمام يحكم الطائفة بصورة تقليدية، أي إنه كان زعيماً دينياً وسياسياً على السواء. وفضلاً عن ترسيم الحدود، أجاز اتفاق 1934 (الذي وُقِّع في الطائف) للمملكة الحصول على سيادة مؤقتة على جازان وعسير ونجران على أن يجري تجديدها كل عشرين سنة عبر تقديم تنازلات إلى السكان المحليين في موضوع تأشيرات السفر. ثم بدأت السعودية بتطبيق سياسة المحسوبيات في التعاطي مع سكان المنطقة الحدودية بهدف ضمان ولائهم والحد من حركات التمرد المحتملة. وقد تكللت هذه المقاربة بالنجاح. وأنشأت القبائل المؤيّدة للرياض منطقة عازلة مؤقتة في الستينيات من أجل إغلاق الحدود السعودية إغلاقاً محكماً.  وعندما اندلعت الحرب الأهلية بين الجمهوريين اليمنيين من جهة واليمنيين الموالين للإمام والمدعومين من السعودية في الإمامة الزيدية من جهة ثانية (1962-1970)، وقفت مصر إلى جانب الجمهوريين ونشرت جنودها من 1962 إلى 1967. فانتصر الجمهوريون في نهاية المطاف.

وقد أدّت معاهدة جدة التي وُقِّعت في عام 2000، إلى ترسيخ التوازنات التي أرساها اتفاق 1934، وإنشاء رواق أمني منزوع السلاح ممتد على طول خمسة كيلومترات. وفي الثلاثينيات، سعت المملكة إلى حماية الحدود من التهديد الجهادي المتعاظم لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقد تأسس هذا التنظيم رسمياً في عام 2009، على الرغم من أن الخلايا اليمنية والسعودية التابعة له كانت ناشطة في المنطقة قبل ذلك. وكان الحرس الحدودي المشترك اليمني والسعودي المؤلَّف من مواطنين محليين بمثابة وحدة جيش نظامي مهمتها مكافحة التهريب (تهريب السلاح والمخدرات المصنوعة من القات) والهجرة غير الشرعية. وكان الحرس الحدودي – وهو أحد فصائل القوات المسلحة النظامية – الكيان المؤسسي الذي يضم في صفوفه القوات القبلية المساعِدة التي واظبت طوال عقود على تسيير دوريات عند الحدود. ويكشف هذا المثال كيف أن التركيبة الأمنية الهجينة التي تجمع بين المجموعات النظامية وغير النظامية هي القاعدة لا الاستثناء. وفي عام 2003، باشرت السعودية أيضاً بناء سياج حدودي، علماً بأن أعمال بنائه توقّفت بحلول مطلع 2013 بسبب الاستياء المحلي.

ولكن حدثَ تحوّلٌ نحو مقاربة أكثر تركيزاً على الأمن خلال حرب صعدة السادسة (من آب/أغسطس 2009 إلى شباط/فبراير 2010) بين الحوثيين والقوى الأمنية التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح. خلال الحرب، فتحت السعودية أراضيها أمام الجيش اليمني من أجل التصدّي للغارات التي يشنّها الحوثيون عبر الحدود. وبدأت الرياض بتنفيذ هجمات جوية، ونشرت قوات برية لمعالجة ضعف الحرس الحدودي وما يُحكى عن عدم استعداده لمواجهة الحوثيين، وفرضت حصاراً بحرياً على شمال اليمن. وجرت الاستعانة أيضاً بمئات الجنود من القوات الخاصة الأردنية لمساعدة السعوديين على نزع فتيل التهديد الحدودي مؤقتاً.

واستمر التدخل السعودي خلال الانتفاضة الشعبية ضد صالح في عام 2011. لقد استغل الحوثيون زيادة عديد القوات العسكرية في صنعاء لتطهير المحافظة من فلول الحكومة المركزية، وبصورة خاصة، لطرد زعماء القبائل الموالين لصالح والسعودية. وعلى ضوء فرض الحوثيين حكماً ذاتياً في صعدة، لم تكتفِ السعودية فقط بنشر عناصر من الشرطة والحرس عند الحدود، بل استأنفت أيضاً بناء السياج الحدودي.

وفي هذا الإطار، نشب نزاعان متوازيان – وأحياناً مستحكِمان – على طول الحدود السعودية-اليمنية المتنازَع عليها. الأول هو النزاع الدائر بين الرياض والقبائل في المناطق الحدودية والتي لا تزال تعارض بناء سياج فعلي وعسكري. والثاني هو القتال بين السعوديين والحوثيين في اليمن الذين يتحالفون حالياً مع إيران. ويؤدّي التوتر في العلاقات الاجتماعية داخل الأراضي الحدودية إلى زيادة أجواء الالتباس. ولا يزال الإسماعيليون مهمَّشين في المملكة العربية السعودية لناحية الممارسات الدينية وصناعة القرارات وحصولهم على الخدمات. على سبيل المثال، وفي حين أنه بإمكان الإسماعيليين السعوديين أن يخدموا في الجيش، يتعذّر عليهم بلوغ مراتب عليا بسبب افتقارهم إلى التحصيل العلمي العسكري. والسبب الأساسي هو أن عدداً كبيراً من كليات الضباط السعودية يرفض قبولهم على مقاعده.

وقد اشتدّت القيود الاجتماعية بعد اندلاع صدامات في نجران في عام 2000 لدى محاولة السلطات السعودية إغلاق المساجد الإسماعيلية واعتقال المؤمنين. وفضلاً عن ذلك، عملت اليمن والسعودية على ترويج سياسة نشر السنّية و/أو الوهّابية في أوساط الشيعة المحليين. وهذا ما حدث على نحو خاص بعد عام 1979 وتسييس النزعة الشيعية على إثر الثورة الإسلامية في إيران. وفي جنوب المملكة، جرى تجنيس عشرات آلاف اليمنيين الجنوبيين الذين غادروا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الحكومة الاشتراكية التوجُّه في جنوب اليمن قبل التوحيد في عام 1990). لقد هاجر هؤلاء اليمنيون، ومعظمهم وهّابيون، من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى محافظة نجران في الثمانينيات. وهناك، أفادوا من مخصصات الرعاية الاجتماعية – ولو بدرجة ثانية بعد الإسماعيليين السعوديين – ووجدوا وظائف في القطاعَين التربوي والقضائي. ومنذ الثمانينيات، فُتِحت مساجد ومدارس مموَّلة من السعودية – مثل دار الحديث المرموق بدماج في صعدة – من أجل التصدّي لإحياء الشيعية الزيدية في شمال اليمن. وقد شجّع الرئيس صالح الذي كان مدعوماً من الرياض، الالتقاء العقيدي بين الشيعية الزيدية والسنّية الشافعية في اليمن باعتباره أداةً من الأدوات الأمنية بحوزة النظام.

أخيراً، لقد كان لتداعيات النزاع في اليمن والتدخل العسكري السعودي في عام 2015 تأثيرٌ واسع على المناطق الواقعة جنوب غرب السعودية. ويُشار إلى أن أكثر من نصف الجنود السعوديين الذين سقطوا في اليمن منذ عام 2015 هم من الغرب لا سيما جازان. وتستخدم الدولة السعودية أدوات للمساعدة الاجتماعية موجَّهة إلى المجتمعات المحلية المفقَرة، مثل تسديد تعويضات إلى الجنود المصابين وعوائل الجنود الذين قضوا في القتال. وأكثر من ذلك، يُقدّم النظام مشاريع تربوية وتعويضات للمواطنين السعوديين الذين نزحوا بسبب عمليات إخلاء البلدات بدءاً من عام 2009، إلى جانب الأضرار الناجمة عن القذائف والصواريخ.

لا مؤشرات توحي بتحقيق انتصار حاسم في النزاع اليمني المطوّل. مؤخراً، أدّى السعوديون دور الوساطة في المحادثات غير الرسمية التي تجرى مع الحوثيين في سلطنة عمان. ويعمد خالد بن سعود، نائب وزير الدفاع السعودي وشقيق محمد بن سلمان، إلى إعادة موضعة السعودية تدريجاً في الشأن اليمني ونقلها من المواجهة الكاملة إلى نزع فتيل التصعيد. لهذا السبب، قد يكون هناك مجالٌ لاستتباب الهدوء عند الحدود. ولكن الطريق نحو تفكيك الطابع الأمني سيكون محفوفاً بالعسكرة الشديدة، والعلاقات الاجتماعية المضطربة، والتصورات المتعاظمة عن التهديدات، لا سيما بعدما أفضى تحالف الحوثيين مع إيران والتطورات التي استجدّت بعد عام 2015 إلى ترسيخ الشبكة الشيعية. وتبعاً لذلك، أصبحت المنطقة الحدودية السعودية-اليمنية بمثابة مجمّع أمني.

إليونورا أردماغني زميلة بحثية مشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ومساعِدة تدريس في جامعة ميلانو الكاثوليكية، ومحللة في مؤسسة الكلية الدفاعية التابعة للناتو ومعهد أسبن-إيطاليا. لمتابعتها عبر تويتر @ispionline.