يوسف شريف، مراقب ومحلل للشؤون التونسية.
حاولت حركة النهضة، منذ عودتها إلى تونس في العام 2011، النأي بنفسها عن الإخوان المسلمين. وقد تعززت هذه النزعة منذ العام 2013 مع انحسار تأثير التنظيم الإسلامي، عندما تحوّلت المجموعات المدعومة من الإخوان التي تقاتل في سورية وليبيا إلى حركات متطرفة عنفية، وبعد قيام الجيش بإطاحة الحكومة التي يقودها الإخوان المسلمون في مصر.
بلغت استراتيجية النهضة القائمة على النأي عمداً بالنفس ذروتها في العام 2016 عندما أعلن زعيمها راشد الغنوشي أن حزبه لم يعد حزباً إسلامياً بل أصبح حزباً ديمقراطياً مسلماً. غير أن هذا المسعى لتغيير صورة الحزب واجه انتكاسات من حين لآخر. وكانت الانتكاسة الأولى خلال أزمة الخليج في العام 2017، عندما عبّر عدد كبير من زعماء النهضة عن دعمهم لقطر المحاصَرة. وواصل الغنوشي وغيره من كبار المسؤولين في الحزب زياراتهم المنتظمة إلى الدوحة واسطنبول اللذين يُعتبران معقلَي الإخوان الأساسيين في المنطقة.
والتحدي الآخر الذي واجهته النهضة كان وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في السجن. فقد تعرض داعمو نظرية عدم التدخل في السياسة الدولية (وأنصار المسعى الهادف إلى تغيير صورة الحزب عموماً ليصبح حزباً "ديمقراطياً مسلماً") داخل الحركة، للتهميش مؤقتاً. واعتبر الغنوشي أن مرسي هو "شهيد" في مقابلة معه عبر قناة "الجزيرة" في أثناء التغطية المباشرة بعد وفاة مرسي. وقرأ تكتّل النهضة في مجلس النواب الفاتحة على روح الرئيس المصري في البرلمان التونسي، ما أثار غضب بعض المجموعات العلمانية المعادية للنهضة. وضجّت الصفحات التابعة للنهضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات الرثاء لمرسي والإدانة لخصمه عبد الفتاح السيسي.
تساعد السياسة الانتخابية والتحالفات الإقليمية على فهم موقف النهضة. فالحزب يحاول، في مواجهة التراجع في شعبيته وعلى مشارف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة (خريف 2019)، إرضاء قاعدته الناخبة المؤيّدة بأكثريتها لمرسي. وتسعى النهضة أيضاً إلى الحصول على الدعم الخارجي (من قطر وتركيا) مع اقتراب الانتخابات، وهي تخشى العداء الذي تكنّه لها الرياض وأبو ظبي والقاهرة، ما دفعها إلى تبنّي قضية مرسي.
بيد أن سلسلة الأزمات الأخيرة – الوعكة الصحية التي ألمّت بالرئيس الباجي قائد السبسي، والهجومَين الانتحاريين – تسبّبت بتعقيد المشهد السياسي التونسي. وهكذا تراجع وقع موقف النهضة في هذه المسألة، وسرعان ما دخل طي النسيان.