فوزية العمار، باحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في اليمن.
يتعرض اليمنيون في رقعة كبيرة من البلاد لويلات الحرب الجوية والبرية والبحرية، التي تسببت في تبدل حياة الكثير منهم على نحوٍ يفوق القدرة على الاستيعاب، نتيجة ما أفرزته الحرب بسبب فقدان عشرات الآلاف أحباءهم ومعيليهم.
أتقنت الحرب الجارية رسم فصول المأساة على وجوه صغار اليمنيين خاصة، فقد أصيب الشباب والشابات بحالات من البؤس والاكتئاب، فتركوا مدارسهم وجامعاتهم، وتدنى أداؤهم الدراسي والأكاديمي نتيجة العجز المادي للأسر، والشعور بضعف قدراتهم الفكرية، وعدم قدرتهم على التركيز في الدرس، وضعف القدرة والرغبة في التحصيل العلمي. وهكذا يجد الشاب نفسه مجبراً على الالتحاق بجبهات القتال بغية الحصول على مصدر للرزق بعد فقدان الناس مصادر العيش الكريم.
أُجريَت دراسة مسحية شملت 902 من الأطفال النازحين في المدارس الحكومية في صنعاء خلال العام الدراسي 2015/2016، وتتراوح أعمارهم بين 8-18 عاماً، عبر استخدام مقياس أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال (Child PTSD Symptoms Scale-CPSS)، الذي تمت مواءمته وتكييف فقراته مع البيئة اليمنية بواسطة الباحثة، وقد أشارت نتائج الدراسة إلى ارتفاع نسبة المعاناة النفسية للأطفال ممثَّلاً في انتشار ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة بنسبة مرتفعة بلغت 79 في المئة (712). تبرز هذه الاضطرابات في معاناة ذهنية تتمثل في تكرار الذكريات المرتبطة بالصدمة، واضطرابات الإعياء النفسي والإجهاد الانفعالي، كما تبرز في ضعف القدرة على التعبير وإبداء مشاعر الحزن ومشاعر الفرح. كما شكا أفراد عينة الدراسة من اضطرابات النوم والأحلام المزعجة، والشعور بالإحباط وضعف القدرة على التركيز وتدني التحصيل الدراسي للأطفال، ومن ضمن المعاناة النفسية ظهور مشاعر الخوف وتجنب الأماكن والأشياء المرتبطة بالتجربة المسببة للصدمة.
شملت دراسة متخصصة نشرتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في العام 2018، الفئة العمرية ما فوق 16 عاماً وكبار السن من كافة محافظات اليمن، وقد حازت صنعاء نسبة مشاركة عالية ضمن العينة قدرها 59.2 في المئة. وأشارت النتائج إلى أن المصابين يعانون من اضطراب القلق (3.25 في المئة)، تلته اضطرابات الاكتئاب (2.3 في المئة)، ثم الاضطراب المرتبط بالصدمات (0.7 في المئة). في العموم، أوضحت الدراسة أن نسبة انتشار الاضطرابات النفسية تبلغ 19.5 في المئة، وأن عددهم وصل إلى ما يزيد عن خمسة ملايين يمني مصابين بحالة من حالات الاضطراب النفسي. وقد أبرزت النتائج أن النساء أكثر تعرضاً للإصابة بالاضطرابات النفسية مع نسبة 81 في المئة.في حين تُقدّم بعض المؤسسات، مثل مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري، خدمة الاستشارة النفسية، تزداد الضغوط عليها تأزماً مع دخول الحرب عامها الخامس. الخدمات الصحية في وضع مزرٍ، وتتدهور الأوضاع الصحية للمرضى والمصابين بالصدمات النفسية. تندر الخدمات الصحية النفسية حيث يزاول 44 طبيباً نفسياً فقط العمل ويتوزّعون على أربعة مستشفيات للصحة النفسية في اليمن تتمركز في أربع مدن رئيسة هي صنعاء وعدن وتعز والحديدة، ما يشير إلى حجم المعاناة الإنسانية لليمنيين.